غزة- صبرنا نفد، حان وقت الفعل لا الكلام لوقف الإبادة.

تتواصل الهجمات الإسرائيلية الشرسة على قطاع غزة المحاصر، والتي دخلت يومها الـ 146. إن آلة الحرب الإسرائيلية لم تتوقف قط، بل تواصل قصفها الوحشي بشكل لم يسبق له مثيل، من شمال غزة إلى أقصى جنوبها في رفح. وفي كل يوم يمر، تتدهور القيم الأخلاقية الإسرائيلية إلى مستويات أدنى وأكثر انحدارًا من ذي قبل.
المظاهرات والاحتجاجات المنددة بهذا العدوان الهمجي مستمرة بلا كلل أو ملل. ومع ذلك، يتضح بجلاء أن إسرائيل، ومن يقف خلفها ويدعمها، ماضون قدمًا في غيهم وعنادهم دون أدنى اكتراث لأي صوت أو ضمير، مستهدفين الأطفال الأبرياء، والشيوخ العزل، والنساء المستضعفات، والأطباء الذين يقدمون الرعاية، والصحفيين الذين ينقلون الحقيقة، والمعلمين الذين يبنون الأجيال، والطلاب الذين يطلبون العلم، والرضع، والمرضى. هذا الوضع المأساوي يدفعنا دفعًا للبحث عن لغة جديدة وأسلوب مغاير تفهمه إسرائيل وتدرك خطورة أفعالها.
لا شك أن للاحتجاجات أهميتها ومعناها في المراحل الأولى من العدوان، وربما كان هناك بصيص أمل في أن توقف هذه الهجمات. لكن العدوان ما زال مستمرًا، والدعم الأمريكي والأوروبي له ما زال قائمًا، مما يجعل الاستمرار في الاعتماد على الاحتجاجات بنفس الطريقة أمرًا غير مجد ولا طائل منه.
لقد حان الوقت للانتقال إلى مرحلة جديدة من العمل الجاد والمؤثر. هذا الكلام موجه بشكل خاص إلى أولئك الذين يهتمون حقًا بإنهاء هذه المأساة. ومن بين هؤلاء تركيا، التي كانت دائمًا في مقدمة الدول التي وقفت إلى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم ضد إسرائيل. لقد بات من الضروري أن تغير تركيا خطابها من مجرد الدعوة إلى "يجب على إسرائيل وقف هجماتها" إلى توجيه إنذار حازم وقوي: "يا إسرائيل.. لقد نفد صبرنا، أوقفي الهجمات فورًا وإلا…" مع كل ما يستلزمه ذلك من معانٍ ووسائل ضغط رادعة.
إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة، ولا تستجيب إلا للضغط الحقيقي. حتى الآن، لم تكن الانتقادات والتنديدات والشجب هي التي أوقفت تقدمها. الشيء الوحيد الذي فعل ذلك هو المقاومة الباسلة والقوة الهجومية التي أظهرتها حماس.
إذا لم ندرك اليوم أنه لا يمكن الاعتماد على قوة أخرى لإيقاف إسرائيل عند حدها، فإننا نكون كمن يضيع وقته وجهده في عمل لا يجدي نفعًا. أولئك الذين ننتظر منهم أن يكبحوا جماح إسرائيل هم في الواقع حلفاؤها وداعموها. انتظارنا لإنصافهم يعني، قبل كل شيء، أننا لم نفهم الموقف على حقيقته.
في هذه المرحلة الحرجة، فإن التصريحات التي تكتفي بإظهار الدعم لا تعكس قوة الدولة، بل تظهر عجزها. لذلك، يجب ألا نكتفي بإصدار التصريحات، وألا نتوقع العون من الولايات المتحدة المتواطئة في الإبادة، أو من أي جهة أخرى. بل يجب على المسؤولين أن يتخذوا الإجراءات اللازمة لوقف هذا العدوان.
صحيح أن شعب غزة قد عبر بوضوح عن عدم انتظاره شيئًا من أحد، قائلًا: "نحن لا ننتظر أن تدعمونا بأسلحتكم وجيوشكم، فلم نتوقع مساعدة من أحد عندما بدأنا هذا الطريق". لكن أحدًا لم يكن يتوقع أن تصل جرائم الإبادة إلى هذا الحد، ولا أن تستهدف حياة الأطفال والعائلات بهذه الوحشية أمام أعين العالم الصامت، ولا أن توضع كل هذه العراقيل والقيود في وجه إيصال المساعدات الإنسانية، ويعجز القادة المسلمون عن إزالتها.
الاحتجاجات الموجهة إلى إسرائيل وإلى قادة الدول المسلمة الذين عجزوا حتى عن تقديم المساعدات الإنسانية، تتجه الآن نحو مسار آخر، مطالبة الحكومات باتخاذ تدابير أكثر فاعلية ورادعة. ويتحدث بولنت يلدريم عن إطلاق حملة "مافي مرمرة" جديدة، فيما قرأ رئيس الشؤون الدينية التركي الأستاذ الدكتور علي أرباش آيات تحضّ على الجهاد ضد إسرائيل.
إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة، ولا تستجيب إلا للضغط الحقيقي. حتى الآن، لم تكن الانتقادات والتنديدات والشجب هي التي أوقفت تقدمها. الشيء الوحيد الذي فعل ذلك هو المقاومة الباسلة والقوة الهجومية التي أظهرتها حماس.
قد تستمر إسرائيل في استخدام حماس كذريعة لعدوانها، وقد تظل حججها في هذا الشأن مقبولة لدى حلفائها وداعميها الإعلاميين، مثل شبكة CNN أو BBC أو غيرها من وسائل الإعلام والمنابر السياسية الغربية. لكن لكي نرى هذه الأكاذيب بوضوح، يكفي أن ننظر إلى الأماكن التي لا توجد فيها حماس.
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول وحتى اليوم، وصل عدد الانتهاكات والاعتداءات التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة (التي لا تحكمها حماس) إلى 30458 اعتداءً. قتلت خلالها 394 فلسطينيًا، بينهم 70 طفلًا، وتجاوز عدد الجرحى 3918 جريحًا وفقًا لبيانات وزارة الصحة. ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، اعتقلت إسرائيل في الضفة 7040 فلسطينيًا، بينهم 260 طفلًا تحت سن 18.
بالإضافة إلى هجمات جيش الاحتلال الإسرائيلي، قام المستوطنون الإسرائيليون المتطرفون بـ 852 اعتداءً في الضفة الغربية، وداهموا 2632 منزلًا فلسطينيًا. كل هذا يحدث في أماكن لا توجد فيها حماس، ولا مقاومة مسلحة.
أولئك الذين يصدقون دعاية الإرهاب الإسرائيلية يظنون أن كل شيء بدأ في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لكن الوضع لم يكن مختلفًا قبل ذلك التاريخ، حتى في الأماكن التي لم تكن حماس موجودة فيها.
هذا العجز المستمر وانعدام الحلول في مواجهة الظلم المتواصل سيؤديان بالتأكيد إلى ظهور قوى فاعلة جديدة تمتلك حلولًا أخرى.
وعلى الجميع أن يحدد موقعه ويستعد لما سيأتي عندما يظهر هؤلاء الذين يقدمون الحل الذي سينقذ الإنسانية ويعيد لها الحياة.
